مومسن
حدث في أوروبا منذ عام
وقع هذا الانقلاب في حياة الشعب العلمية والفكرية والصناعية أيضاً أيام كانت ألمانيا مدينة الفلسفة والأدبيات والعلوم التاريخية فقط ومكان لها بعض الصيت في فروع العلوم الطبيعية الأخرى.
فلم يمض على الألمانيين بعد أن وجهوا نحو هذه العلوم وجهة السعي والتفكير حقبة من الزمن حتى أخذوا منها السهم الأوفر فبزوا بها وبرزوا وأتيح لفريق منهم بعض ما هو جدير بالدهشة من المخترعات والمكتشفات: فما ظهر من مستحضر وأعني بذلك المكتشف المهم في تحولات المادة العضوية بدل نواميس الحياة وما وجده دود من ناموس سير الرياح في الفلسفة الطبيعية كان أساً لعلم الظواهر الجوية الجديد.
وتبدلت الفلسفة أيضاً تبدلاً كلبيراً فقد بدأت أولاً بتعديل نمظريات الفيلسوف هيكل بعض التعديل بإخراجها من دائرة
الفلسفة المحضة على أيدي تلاميذه الأفاضل وتطبيقها على
هذه هي نسمات الأفكار التي كانت تهب في عامة أنحاء ألمانيا والآداب أول ما استهدفت لمؤثراتها فقد حل محل ذلك الجيل الخيالي جيل مفتتن بالحقائق غير المجردة مولع بالوقائع والحادثات الطبيعية وهو الجيل المادي الذي لا يعرف غير التحقيق مشرباً.
وإنك لترى حينئذ الأدبيات الخيالية أشيه بأُلهية بسيطة يما هي بها الفتيات وقد نضبت مياه الشعر المترقرقة وجف نبعه السيال.
أعظم أدباء هذا الدور غستاف فريتغ الذي كان نابغة في بث روح الحقيقة على ما هي عليه فيما كان يرويه عن سذاجة حياة الطبقة الوسطى من الناس في قصصه الهزلية ورواياته وكثيراً ما كان يكافح مذهب الخياليين.
ولقد هم فريتغ بالقضاء على هذا المذهب فقام وأسس في ليبسيك بمعونة صديقه جوليان أشميد مجلة تدعى: كرازتدن وكان صبغة هذه المجلة سياسية ونزعتها بروسية علناً.
دخل غستاف فريتغ عالم الكتابة عام
ومنهم فؤدالب وكاتوليك اللذان شهرا على مذهب الخياليين حرباً عواناً أدارت رحاها الأقلام وأزمعا كما قال أشميد أن
يبترا تلك القطع الفاسدة من آداب الألمان وينبذاها نبذ النواة فكان يجدان في أن يكتب القول الفصل للسياسة البروسية
في كل صقع آتيين على كل ما فيه أثر التصنع ومسحة التكلف والتعمل وغير ذلك مما كانا يعدانه من الآفات المجتاحة لعواطف
ذلك هو الفكر الذي جال في خاطر طلاب كلية ألمانيا الجديدة بروسيا منذ عام
تيودور مومسن من أغرب الألمانيين خُلقاً وخَلقاً اجتمعت في نفسه الأضداد بأجمعها فهو عالم كبير كما هو خيالي كبير ومع
هذا فقد كان يوصي الناشئة الجديدة في أن يتلقوا ماله من الخيالات نموذجاً ليس من ورائها فائدة تذكر. وهو ديمقراطي
على حين لم يوفق
مومسن هذا من نابته ذاك الجنس إذا رأيته رجلاً مقداماً إن تحرك فكأنما يتهيئ لعمل جديد. وإنه بسيمائه العصبي الذي ينم عن كل خير وعينيه اللتين تبرق منهما أشعة الحيلة والمكر وشفتيه اللتين ترتسم عليهما ابتسامة الاستخفاف والاستهزاء يذكر بفولتير العظيم وهو ببعض أطواره المنبعثة منها عوامل القسوة والغدر حتى في حالة السرور والنشاط وبوجهه الذي نال منه المقراض فلم يبق ولم يذر أشبه بمولتكه القائد حذو القذة بالقذة. أما سيماؤه الذي يتراءى من خلال مصنفاته فهو عبارة عن شخصية غريبة مؤلفة من طبيعة متسرعة منفعلة متوقدة أي من حدة المزاج ممزوجة بطبيعة أخرى حقيقية ماهرة في استخراج المغالطات المادية العملية ونفخ المناطيد التي وسع نطاقها حب التفاخر والغرور.
في مومسن شخصان لا يجتمعان كل الاجتماع ولا يفترقان: عالم وصانع. ولا شبهة في أن العالم مومسن هو من خوارق القرن
التاسع
كان مومسن يرى مع من يرى أن العلم غير منحصر في دائرة محدودة وأنه علم مشاع لهذا كان لا يستحسن تهافت الألمانيين على تعميم فكر الإخصاء ولا يقيم لتهالكم على انتشاره وزناً. فقد فقد قال في خطاب أورده في مؤتمر برلين العلمي في اللغة اللاتينية: الإخصاء في فرع من العلوم فقط واجب ولكن ليس من الواجب الاقتصار على ذلك الفرع والضرب دون غيره بإسداد بل يجب على الطالب لسعي لأن تتوفر لديه المعارف في هذا الفرع وأن يصيب حظاً من كل شيء. . فما أصغر هذه الكرة الرضية وأحقرها في نظر من لا يرون غير كتاب اليونان واللاتين وطبقات الأرض والمسائل الرياضية في هذا العالم الفسيح. . .
ومن غريب التضاد كون مومسن مفنناً خيالياً مع سعة اطلاعه العلمي المدهش. وإنك لتذهل عندما ترى هذا الرجل في نفس الأمر
الذي يحمل تلك الجبهة ذات القوة والتؤدة والوقار من الشعراء المتأثرين غير أنه ليس نظير ميشله المؤرخ الفرنسوي
الشهير تأخذه الهزة والانفعال لكل جميل فهو لا تأخذه رحمة ولا شفقة لآلام من يفترشون الأرض ويلتحفون السماء من بني
آدم ولكنه صاحب عقل متأثر لا يتبين غلا بمتانته وقوة دهائه فقط في هذا العالم وهو من أجل الأشياء التي تنثر ضياءً
وشرراً أشد ما يكون احتداماً هياماًَ. كان من المحتمل بقاء غرائز مومسن في العلم والصناعة طي الخفاء لولا أن قيض
الله لها رجلاً في برلين عام
ربى مومسن في كلية كيل فجهزته بجهاز حب بلاده حباً جماً ولطالما قرّع أولئك الذين يقولون أنه يجري في عروقه الدم
الدانيماركي بقوله: إن من يدعون أن مدينتي شلزويق
هذا وإن بين مومسن وبين أبناء صناعته فرقاً بعيداً وذلك أنه ظل صادقاً مستقيماً حتى نهاية زهو شبابه ولم يكن ليحفل مثلهم بفخفخة ما أتاه من إمارات النصر ولا عظمة ما ناله من بوارق التوفيق.
كان بدء احتفاظ مومسن بأفكاره على ما شوهد أشد الاحتفاظ بين سنة
ليس بين المؤرخين من يقاس بمومسن في تحبير الصفحات التاريخية العظيمة أو تحريرها غير أرنست رنان فقط. فتلك التصورات الواسعة واحدة والنسبة فيما بينهما واحدة كما أن قوتهما في البيان والأداء سواء. أما المهارة في إشراب روح الحياة للأشياء كما كانت بإظهار دقائق التفاصيل والفروع الواسعة التي من شأنها أن تبقى في الحافظة منقوشة فواحدة أيضاً في المؤرخين مومسن ورنان.
ولما كان مومسن أيضاً كسائر مؤرخي الألمان المتفرغين عن نيبور يهتم كثيراً بحياة الأمم الشخصية وكيفية نشوئها وانتشارها فإنه وجد تاريخ رومية مساعداً كثيراً لإيفاء هذا المقصد الذي يتوخاه. ولما حل مسألة الوطنية ووضعها رغب في تعليمها معاصريه وكان مثل هيبولت تين يستمد من المخترعات العلمية والمكتشفات الفنية بأجمعها لأن تقدم العلوم ولا سيما ما يتعلق منها بعلم الحياة قد ساعد التاريخ كثيراً. فقد نقب مومسن أولاً عن بعض ما لخصت به ولم يقبل ما في مذهب تين من المادية البحتة بل ولا جميع أفكار المؤرخين في هذا الباب ومن جملتها إمكان استخراج خصوصيات أمة من أخلاقها الخاصة بها بل من الأمور التي هي من قبيل الأسباب المادية كالتراب والهواء ونمط الغذاء.
وكان نظره متجهاً نحو الحجرة الابتدائية للأمة الرومانية لأن بها فقط أمكن لرومية أن تحكم إيطاليا فالعالم أجمع. فاجتهد في كشف أسرار الرومانيين وسبب تفوقهم على الأمم القديمة متخذاً ذلك له أساساً متيناً فإذا أراد تعليل فوز الرومانيين وغلبتهم يبدأ في إظهار ذكاء هذا الجنس البراق وما فطر عليه من حب الإقدام والعمل وما يشعر به من تقديس الواجبات والقيام بها حق القيام وهكذا بعد أن تتبع كما رأيت أحوال الأمة الروحية في سائر مظاهرها أيام كانت عروق الحياة تنبض في جسمها وهو راغب في أن يجلو تاريخه على هذه الأفكار كلها ثم يزفه للناظرين.
على هذه الأصول نفسها جرى تين أيضاً في عامة مؤلفاته الانتقادية المهمة ولاسيما تاريخ أدبيات إنكلترا. وهذا الأسلوب
من جياد الأساليب غير أنه له محذوراً واحداً وهو أن الحادثات تلد طبيعية والرابطة التي في خلالها تأخذ شكلاً منطقياً
متسلسلاً بحيث يخيل أن هذه كلها قد أعدت من ذي قبل والنصر المتولي الذي بدأ من أبواب رومية ثم وقف في
فالمترجم نظر إلى تاريخ رومية من نقطة سياسية تماماً ويشاهد ما بذله من العناية في جماع مظاهر الحياة اليومية للنظرة الأولى. وفصول كتابه في الزراعة والتجارة والصناعة والآداب أجمع ما كتب في مصل هاته الموضوعات حتى الآن. ومما كان يرتئيه أن السياسة هي أهم واسطة لبيان أحوال حياة الأمم وهي التي تحدث تجديداً وانقلاباً في جميع الشؤون.
لتتبع التاريخ السياسي وتدقيقه خطتان الأولى: خطة توكفيل الفلسفية وهي عبارة عن اتخاذ أوضاع الأمة وقوانينها المادية والفكرية أساساً والعمل على كشف أسرار تولدها ونتائجها أكثر من النظر في حوادثها وكائناتها ويصح أن يقال أن هذه الخطة علمية لأن الكاتب لا يظهر نفوره أو ارتياحه لحالة سياسية معينة. ومن ثم كان ذلك المؤلف غيرياً لا أنانياً. والثانية تعليل الحوادث التاريخية ببعض أفكار تنطبق على آراء سياسية واجتماعية أو دينية وبها يختلف التاريخ حسب المنظر ووجهته.
ولقد وقى مؤرخو الألمان أنفسهم في الربع الأول من القرن التاسع
وفي عام
هذا هو مومسن قد حاز الأولية بين فريق هؤلاء المؤرخين هذا الرجل الذي كان يتخيل حينما يكتب تاريخه أن تعليلاته تنطبق
على التجارب الماضية على حين أن القسم الأعظم منها كان ناشئاً في الغالب من شعوره الذاتي وتابعاً لأحوال محيطه وقوته
المخيلة.
وكثيراً ما تجد مومسن يرجع إلى هذا ناموس حياة الأمم فيتعبره بمثابة ناموس الثقل في موقعه ومساس الحاجة إليه. وكان يقول: لما كان المقصود الأعظم من التاريخ المدنية والمدنية تعمل على تشذيب ما ليس فيه قابلية للنمو واستعداد للنشوء من الأغصان كما ينبغي كانت الحرب عبارة عن آلة جسيمة من الإصلاح لإنشاء الرقي العام وإن سعادة مملكة ليتوقف على تبدل مبارزاتها إلى حروب!. . . .
إلا وأن فلسفة تاريخ كهذي تناسب جداً حال أمة بروسيا تحارب نفسيها بنفسها مرات ثلاثاً متتالية وتساعد كثيراً على تعميم الرقي والتقدم في ألمانيا أولاً ثم في أوروبا والعالم أجمع. ومع هذا فالمترجم لا يضم صوته إلى صوت الفيلسوف هيكل في قوله: إن وراء كل حرب فكراً أخلاقياً والقوة والفضيلة (لفظتان مترادفتان) ولا هو أيضاً من أرباب الاشتغال بالأخلاق. وكان يقول بهذا الناموس التاريخي: الحق مع القوة والتاريخ يكسر في مهب عواصفه العاتية الأمم التي لا صلابة فيها ولا مرونة كسر الفولاذ دون أن يشعر بأثر رحمة أو شفقة مطلقاً.
هذه هي نظرياته التاريخية التي يظل الإنسان حائراً حينما يرى أنها وأمثالها يدافع عنها ويحامي في وطن رجل مثل ذلك
الفيلسوف كانت. لكن مظهر ألمانيا عام
أول درس رغب مومسن في إلقائه على مواطنيه وصيته العظيمة: لا تكونوا بلهاً أغراراً
هذا الميل الذي كان يشعر به مومسن نحو بلاده كان يجول في خلال كل سطر من تاريخه وفوق ذلك فإنه كان يرى العناصر الأخرى بجاني العصر الجرماني منحطة جداً.
ولم يكن يميل للأمة اللاتينية وإن كان يتظاهر بذلك أحياناً ولم يكن مصدر ذلك هو حب حقيقي وزد على ذلك فإنه كان لا يرتاح إلى أفكار هذه الأمة مع ما أوتيه من المواهب الطبيعية وما فيه من المبادئ السامية وما أتيح له من معرفة العظماء ومما قاله في ذلك إن الإيطاليين لا يمكن أن يدخلوا في مصاف الأمم التي تلعب في طبائعها الغرائز الشعرية لفقدان تأثر أفئدتهم إنما لا تقاس أمة الإيطاليين في البلاغة والفاجعات. . . .
وأنت لتجد لسانه الجائل في تلك الأبحاث وهو يحكم حكماً باتاً قاطعاً مرتبطاً بفكره وشعوره تمام الارتباط. فهو مثل تين حذو القذة بالقذة لا ينحرف عن الأسلوب الذي تمسك به فيد شبر. وفيما هو يكتب في التاريخ يبين الآراء ويثبت ما أتى به من نظرياته الخاصة تراه يطرح من الوقائع كل ما يوشك أن يوقع في هذه الآراء والنظريات خللاً.
فهو يريد أن تكون الأمة الرومانية سالكة السبيل الذي اختطه لها لا تحيد عنه ذات اليمين أو ذات الشمال. خذ إليك مثلاً
ذهابه إلى أن الدهاء في غير السياسة لا أثر له في الرومانيين وجزمه بما ذهب إليه جزماً باتاً تجده يعزز هذا الحكم
باستنتاجات قوية وبراهين جلية متينة. وأن الألمان ليتراؤن له من جهة الانتظام أتم من الرمانيين الذين هو وألئك في
السياسات والمعارك سواء وكذلك يشعر المطالع من طرف خفي بمدحه الألمان من خلال
وهكذا جاء الكتاب من أوله إلى آخره على هذا المنوال فهو أشبه بقصيدة نظمت للذب عن ألمانيا والألمانيين. وبعد فليس بالنزر التافه القليل الذين استفادوا من تلك الدروس التي ألقاها مومسن في تاريخه وأفادوا بما جمعوا من المؤلفات الجمة في أحوال عصر الجرمان الروحية التي دعت أساتذة التاريخ والجغرافيا وأهل الإخصاء في علم الحيوان إلى أن بينوا أفضل عنصر الجرمان على رؤوس الأشهاد فعلت الضوضاء حتى في الكتب الجغرافية المدرسية بأن ألمانيا قلب أوروبا حقيقة وأن ما في فرنسا من كل شيء جميل إنما هو مدين لعنصر الجرمان.
معربة عن التركية
دمشق
ص
الإحساس دليل الحياة
التضامن رائد العمران
(تابع لما قبله)
جاء في عرض كلامي عن الأقباط في الجلسة الماضية أنهم يعاقبة واعتمدت على المقريزي وابن خلدون وسائر المؤرخين. فلم ترق هذه الكلمة في عين حضرة صاحب المجلة القبطية فاستدركها وقال أنهم أرثوذكس. ولكن رأي المقريزي في ذلك يؤيده العلامة القبطي ابن البطريق وقد اعترف حضرته بذلك. فليكن الأقباط أرثوذكساً أو ملكيين أو ملكانيين أو نساطرة أو كاثوليك أو بروتستانت أو يعاقبة أو موارنة أو مرقولية وليقولوا ما شاؤوا في اللاهوت والناسوت والحلول والاتحاد والمشيئة والأقنوم والطبيعة فإنما هم مصريون قبل كل شيء وتلك أمور داخلية وعقائد تعبدية ليس لها مساس بموضوعنا الذي نحن فيه اليوم.
ولكنني لا أترك هذه الفرصة دون الوقوف معه ومناقشته في قوله كان عددهم عند الفتح الإسلامي
وقال ابن البطريق القبطي أن المقوقس اجتمع مع عمرو بن العاص على عهد بينهم واصطلحوا على أن يفرض على جميع من بمصر من
أعلاها إلى أسفلها من القبط دينارين على كل نفس شريفهم ووضيعهم ممن بلغ الحلم وليس على الشيخ الفاني ولا على الصبي
الصغير الذي لم يبلغ الحلم ولا النهى شيء وأحصوا عدد القبط يومئذ خاصة ممن بلغ منهم فكان جميع من أحصي
فنحن اليوم في عصر النور والتحقيق ويا حبذا لو أننا نربأ بأنفسنا عن تلك المبالغات الشرقية. وسعيد بن البطريق هذا هو
قبطي مصري قال المكين أنه تولى بطريركية الأقباط فكان في أيامه شقاق كثير وشر متصل بينه وبين شعبه أدى بمحمد بن طغج
صاحب مصر إلى إرسال قائد من قواده إلى تنيس فخيم على الكنائس وما بها وكان فيها شيء كثير من الذخائر حتى أن ذهبها
وفضتها وزنت بالقبان لكثرتها وعبى القائد جميعها في الأقفاص وتوجه بها إلى مصر فمضى أسقف تنيس على جماعة الكتاب
فتوسلوا لدى الأمير سنقر واستقر الرأي على إعادة كل هذه الذخائر في نظير
والبطريرك تعريب للفظ رومي معناه أبو الأسرة أو رب البيت قال المسعودي في كتاب التنبيه والإشراف أنه بالرومية
بطرياركس تفسيره رئيس الآباء ثم خفف وقد سماه المسعودي والإسلاميون بطريرخ ثم بطريرك ثم خفف في الاستعمال فصرنا نقول
بطرك ونكتبها بطريرك كما نقول جنبية ونكتب جنباواي وكانوا يكتبون جنبويه وكما نقول أبشيه
وقد كان ابن البطريق صاحبنا معاصراً للإمام المسعودي وصديقاً له وقد اجتمعا معاً بالفسطاط. وقال في التنبيه والإشراف
ما نصه: وأحسن كتاب رأيته للملكية في تاريخ الملوك والأنبياء والأمم والبلدان وغير ذلك كتاب محبوب بن قسطنيطين
المنبجي وكتاب سعيد بن البطريق المعروف بابن الفراس المصري بطريرك كرسي مارقس بالإسكندرية وقد شاهدناه بفسطاط مصر
انتهى تصنيفه إلى خلافة الراضي. وقد اشتهر بين المسلمين كثير من النصارى بهذا الاسم فأولهم ابن بطريق النصراني الذي
كان أمين سر سليمان بن عبد المكل الخليفة الأموي بدمشق. كما كان سرجون بن منصور الرومي النصراني أمين سر من قبله
للخلائف معاوية بن أبي سفيان، ويزيد بن معاوية ومروان بن الحكم. وكان في أيام أبي الدوانيق المنصور العباسي رجل اسمه
البطريق أمره بنقل أشياء من الكتب القديمة. واشتهر في أيام المأمون رجل اسمه يحيى بن البطريق كان في جملة الحسن بن
سهل وتحت رعايته وكان لا يعرف العربية حق معرفتها ولا اليونانية وإنما كان عليماً باللغة اللاتينية وهو من جملة
الوفد الذي أرسله المأمون إلى ملك الروم عندما غلبه واستظهر عليه وتوالت بينهما المراسلات فكتب غليه المأمون يسأله
الإذن في إنفاذ ما يختار من العلوم القديمة المخزونة ببلاد الروم فأجاب الملك إلى ذلك بعد امتناع فأخرج لذلك جماعة
منهم الحجاج بن مطر ومسلمة (سلم صاحب بيت الحكمة) وغيرهم فأخذوا مما وجدوا ما اختاروا فلما حملوه إليه أمرهم بنقله
فنقل وقيل أن صاحبنا يوحنا بن ماسويه
بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر
أما بعد أصلح الله أمير المؤمنين وأيده على حماية الدين والرعاية لأحوال المسلمين فإن عبده امتثل أمره والتزم ما حده عن كتاب السياسة في تدبير الرياسة المعروف بسر الأسرار الذي ألفه الفيلسوف الحكيم الفاضل أرسطو طاليس لتلميذه الملك الأعظم الإسكندر المعروف بذي القرنين حتى كبر سنه وضعفت قوته عن الغزو معه. وكان الإسكندر استوزره واصطفاه لما كان عليه من صحة الرأي واتساع العلم وقوة الفهم وتفرده بالخلال السنية والسياسة المرضية والعلوم الإلهية مع التمسك بالورع والتقى والتواضع وحب العدل وإيثار الضمير. . . فلم يدع الترجمان يحيى بن البطريق هيكلاً من الهياكل التي أودعت الحكماء فيها أسرارها إلا وأتاه ولا عظيماً من عظماء الرهبان الذين لطفوا (انقطعوا) لمعرفتها إلا أتاه وقصده وانتحاه حتى وصل هيكل عبدة الشمس الذي كان بناه هرميس الأكبر لنفسه فظفر فيه بناسك مترهب ذي علم بارع وفهم ثاقب فتلطف به واستنزله وأعمل الحيلة حتى أباح له المصاحف المودعة فيه فوجد في جملتها الكتاب المطلوب الذي كان أمره أمير المؤمنين بطلبه مكتوباً في رق مصبوغ بالفرفير بالذهب المحلول منقوطاً بالفضة البيضاء المحلولة. فرجع إلى الحضرة المنصورة ظافراً بالمراد. فسعى بعون الله وبسعد أمير المؤمنين وجدّ في ترجمته ونقله من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي.
أفرأيتم كيف تطرق بنا الحديث والحديث ذو شجون من ابن البطريق المصري إلى سميه البغدادي إلى الخليفة المأمون. وهل
علمتم أن هذا الخليفة ورد على وادي النيل وكان له في
ففي سنة
وقبل أن أسوق إليكم الحديث عما جمعته من شوارد هذه الرحلة العجيبة أخركم يا بني أمي ويا بني عمي بأمر هو من باب تحصيل الحاصل فأنتم تعلمون جميعاً أن أهل مصر عموماً يهيمون بالبصل غراماً تستوي في ذلك الطائفتان الصغرى والكبرى، بل إن بني إسرائيل حينما هاموا في التيه ولم يجدوا عن البصل من بديل ولم يعثروا على شبيه حردوا على موسى الكليم. وبما أننا سنحضر ركاب المأمون فلا بأس من ذكر نادرة من نوادره الكثيرة في إكرامه للعلماء حتى ولو كانوا ممن يأكلون البصل والثوم ويشربون النبيذ ويقومون للحنزير الحنيذ.
فقد كان بلغه قبل ذلك أن الشيخ كلثوم بن عمرو العتابي قد توفي ثم بلغه أنه لا يزال على قيد الحياة وهو من أكابر
الشعراء المرسلين وأفاضل البلغاء المطبوعين فأرسل إليه لينادمه قبل سفره حتى لا تفوته مجالسته إذا مات الرجل وهو في
الغزاة أو في مصر فلما دخل عليه أدناه وقربه حتى قرب فقبل العتابي يده ثم أمره بالجلوس فجلس وكان إسحاق بن إبراهيم
الموصلي نديم الخلفاء ونادرة زمانه حاضراً فقال له المأمون: بلغتني وفاتك فساءتني ثم بلغتني وفادتك فسرتني. فقال
العتابي: يا أمير المؤمنين لو قسمت هاتان الكلمتان على أهل الأرض لوسعتاها فضلاً وإنعاماً وقد خصصتني منهما بما لا
يتسع له أمنية ولا يبسط لسواه أمل لأنه لا دين إلا بك ولا دنيا غلا معك. فقال له: سلني. فقال: يدك بالعطاء أطلق من
لساني بالسؤال. فوصله صلات سنية وبلغ به التقديم والإكرام أعلى
وخرج المأمون من بغداد بجيوشه وجحافله حتى دخل بلاد الروم غازياً لينتقم من ملكها الذي قدم نفسه عليه في المخاطبة
وهنالك تناهت إليه الأخبار باستفحال الثورة في مصر وتعاظم الخطب وتفاقم الأمر حتى خرج أهلها من مسلمين وأقباط عن
طاعة الخليفة لما نابهم على السوء من ظلم عامله عليهم وهو عيس بن منصور الرافعي. فامتنع المصريون كافة عن وزن الخراج
وطردوا العمال. فترك الجنود ببلاد الروم لمحاصرة القلاع وتتميم الغزوة وسأتبعه في طريقه خطوة خطوة وأذكر ما فعله
ببلادنا لخير الأقباط والمسلمين وما أبقاه فيها من المآثر التي دوى ذكرها وطمس خبرها وتنوسي أمرها على أن يخرج من
وادي النيل مرموقاً بالعيون مشيعاً بالقلوب محموداً من جميع الشعوب.
وقد اغتنم الخليفة فرصة وجوده بالشام لتحقيق مقدار السنة الشمسية فرصد ذلك بدار الرصد بدمشق المعروف بالشماسة وكانت له دار رصد أخرى ببغداد.
فلما كان في دمشق قل المال عنده حتى أضاق فشكا ذلك لأخيه المعتصم الذي تولى الخلافة بعده وكان المعتصم قد ورده خبر
بأن
ثم أتى مصر فكان كلما دخل قرية أو مدينة ينزل على دكة قد بنيت لأجله ليكون مقامة مرتفعاً عن رطوبة الأرض فتضرب له على الدكة قبة بسرادق عظيم وتقيم العساكر حوله وكان يقيم في القرية يوماً وليلة فجاء عن طريق الفرما وفيها حضره الشعر فقال:
والسدم هو الهم مع الندم والحزن والغيظ والميدان موضع ببغداد اسم لبلد بكورة سابور من أعمال فارس ولا شك أنه تفكر
أثناء وجوده بها في فتح قنال السويس الموجود فقد روى أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد الشطيبي (كذا) الأندلسي وقيل
شهاب الدين أحمد المقري الفاسي في كتاب الجمان في مختصر أخبار الزمان المحفوظ منه نسخ متعددة بمكتبة باريس الأهلية
أنه سعى في توصيل البحر الأحمر (بحر القلزم) بالبحر البيض المتوسط (بحر الروم) ولكنهم صرفوه عن هذه العزيمة خوفاً من
الروم على مكة والمدينة كما خوفوا عمر بن الخطاب من قبله وهو أول من فكر في ذلك في الإسلام. ومر على دمياط ونزل عند
قرية صغيرة اسمها بوره (وهي التي تنسب إليها العمائم البورية والسمك البوري وقد انحلت هذه العمائم باندثار القرية
ولا يزال السمك باقياً يستطيبه المصريون إلى اليوم) فدخل عليه بكام القبطي من أهلها وكان ذا ثروة واسعة فخطب من
المأمون عمارة بورة فقال له أسلم فتكون مولاي وأوليك فقال بكام: لأمير المؤمنين
ثم سار حتى وصل الفسطاط عن طريق المطرية وعين شمس متبعاً في ذلك خط السير الذي اتبعه الجيش الإسلامي مع عمرو بن العاص
في أيام الفتح في سنة
وفي أثناء إقامته في الفسطاط أرسل ملك النوبة وفداً إلى المأمون ذكروا عنه أن ناساً من مملكته وعبيده باعوا ضياعاً من ضياعهم لمن جاورهم من أهل أسوان وأنها ضياعه والقوم عبيده ولا أملاك لهم وإنما تملكهم على هذه تملك العبيد العاملين فيها فحول المأمون على عامله بأسوان تحقيق هذه المسألة وأمره بالاستئناس بمعلومات من بها من الشيوخ وأهل العلم فوصل الخبر إلى أهل أسوان الذين اشتروا تلك الضياع وعلموا أن عدل المأمون سينزعها من ايديهم ويردها على صاحبها فأعملوا الحيلة حتى لا يضيع عليهم الثمن الذي دفعوه وتذهب عليهم الأعيان التي تملكوها فتقدموا إلى البائعين من أهل النوبة واتفقوا معهم على أنهم إذا أحضرهم الحاكم المولى من قبل المأمون يقولون بأنهم ليسوا عبيداً لملك النوبة وأن يقولوا بحضرته وبحضرة الشيوخ والشهود والعدول: سبيلنا معاشر المسلمين سبيلكم مع ملككم ويجب علينا طاعته وترك المخالفة له فإن كنتم أنتم عبيداً لملككم وأموالكم له فنحن كذلك. فلما جمع حاكم أسوان بين البائعين وبين رسول ملك النوبة والنائب عنه في هذه القضية المهمة اعتمدوا على هذه الحجج ونحوها مما لقنها لهم أصحاب الحظ والمصلحة في ثبوت البيع ونفاذه فصح البيع لعدم إقرارهم بالرق لملكهم.
هذا وقد أنشأ المأمون أثناء مقامه بمصر جسراً (كوبرياً) يصل بين مصر القديمة وبين جزيرة الروضة وانتقل إلى المنيل
فأعجبته هذه الجزيرة الجميلة فبنى بها جامعاً ومقياساً كما ذكره عبد الرشيد صالح بن نوري الباكوبي المولود في مدينة
باكو من بلاد الروسيا
ثم عدا المأمون إلى بر الجيزة وذهب إلى الأهرام. قال شيخ الربوة الصوفي الدمشقي في كتاب نخبة الدهر في عجائب البر
والبحر المطبوع في بطرسبورغ ما نصه: ولم تزل همم الملوك قاصرة عن تعرف ما في هذين الهرمين إلى أن ولي المأمون
الخلافة وورد مصر فأمر بفتح و
وروى المقريزي عن صاحب تحفة الألباب أن المأمون أصعد بعضهم لتعرف ما بداخله وبعضهم لذرعه من الخارج.
فأفضى الذين صعدوا إلى القبة التي في أعلى الهرم من الداخل إلى قبة صغيرة فيها صورة آدمي من حجر أخضر كالدهنج فأخرجت
على المأمون فإذا هي منطبقة فلما فتحت وجد فيها جسد آدمي عليه درع من الذهب مزين بأنواع الجواهر وعليه حلة من ذهب قد
بليت ولم يبق منها سوى سلوكها من الذهب وكان على هذه الموميا طلاء بمقدار شبر من المر والصبر وعلى صدره نصل سيف لا
قيمة له وعند رأسه حجر ياقوت أحمر كبيضة الدجاجة يضيء كلهب النار فأخذه المأمون وقال هذا خير من خراج الذهب. وقال
كثير من المؤرخين أن هذا التمثال الأخضر لم يزل معلقاً عند دار الملك بمدينة مصر إلى سنة
أما الذين صعدوا فوقه فقد انتهوا إلى قمته بعد
وقد قاس المأمون تربيع الهرم فكان
هذه هي الحقيقة التاريخية مجردة من المبالغات الشرقية. ولما كان أمر الأهرام قد بقي مكتوماً على الخاص والعام حتى فتحه المأمون فلا غرابة إذا رأينا أهل الشرق وهم مغرمون بالأوهام شطحوا مع تيار الخيال فلفقوا على ذلك أقاصيص وأساطير ما أنزل الله بها من سلطان ولكنها لعمر الحق فيها عبرة وحكمة كبيرة لقوم يفقهون. ذلك أن كتاب العرب أرشدوا أرباب الألباب إلى أن السعيد بن السعيد هو الذي يتوصل للعثور على ما يوازي نفقته عند تطلبه الكنوز والدفائن ولذلك قالوا بأن المأمون وجد وراء الباب حوضاً من حجر مغطى بلوح من رخام وهو مملوء بالذهب وقالوا أن المأمون أمر بحسبان ما صرف على النقب فبلغ قدر ما وجد في الحوض من غير زيادة ولا نقص.
ولعل هذا الرمز البديع يكون راجعاً لمن ينفق العمر والمال في تطلب الدفائن والكنوز والمطالب والخبايا فليس لكل الناس سعد كسعد المأمون وقد رأيناهم جميعاً يعودون بصفقة المغبون فلعلهم بعد هذا البيان يفكرون ويتدبرون ويسعون لاكتساب المال من طريقه المشروع وسبيله المأمون.
ثم توجه المأمون إلى الصعيد فأحل ركابه بمنف حضره الشعر في الحال فقال على سبيل الارتجال:
ثم استمر حتى وصل إلى مدينة فقط من أعمال الصعيد بمديرية قنا. ومن لفظة فقط اشتق اسم القبط. ومنه أخذ الروم لفظة إيجيبتوس للدلالة على مصر والمصريين.
نشر المسيو نوفيكوف العالم الاجتماعي الروسي هذا الشهر كتاباً سماهالظواهر الاقتصادية والطبيعية ومسألة شقاء الناس
قال في بعض فصوله أن أمر بؤس البائسين وغنى الموسرين قد شغل بال كثيرين وهي من المسائل المعقدة ذات الأطراف
والتضاعيف. فيرى بعضهم أن الشقاء من الأمور الطبيعية كالفيضانات والزلازل وقلة الأمطار وأن من يحاول إبطاله من
لاعالم كالذي يتخيل أن يجري أنهاراً من اللبن ويغرس أشجاراً تأتي بأرغفة من العجين مخبوزة. ومنهم من يقول أنه ليس
ثمت شقاء على حين تثبت الإحصائيات أن
ويرى بعضهم أن الشقاء آت من استئثار بعض أشخاص بأموال طائلة وحرمان الفقير منها وأنه لو كفت أيدي الأغنياء عن احتكار
القسم الأعظم من الثروة ولم يحرم منها السواد الأعظم بل قسمت بينه قسمة عادلة لأصبح الناس كلهم في سعة وفارق الشقاء
بين بني آدم أخر الدهر. وليس احتكار أولئك الأفراد لثروة المجموع هو الحل الوحيد لهذه المعضلة بل أن الفقر ناشئ على
الأرض من قلة الأرزاق اللازمة للحياة وإذا كانت هذه القلة ناشئة من أسباب المحيط والبيئة يصح أن يقال أن البشر في
شقاء لأنهم لم يحسنوا استخدام الأرض وتسخيرها لحاجياتهم.
ويغلط الاشتراكيون في خلطهم بين الثروة والمال وما الثروة إلا نتيجة تغيير المحيط بأن يقوم عمل الإنسان على قاعدة
معقولة. وجمهور الناس يخطئون في تصورهم الثروة أنها ليرات وجنيهات موضوعة في صناديق أرباب المال فكما أن هذه النقود
لا تحتاج إلى التجديد كل سنة وكما أنها كمية معروفة لا يمكن زيادتها يتوهم الناس أن الثروة كذلك وأنها إذا حصلت في
اليد تبقى أبد الدهر. الثروة مؤلفة من بعض الوجوه من مجموع الغلات التي جعلت في الأسواق وينبغي أن تستخرج على الدوام
من المحيط الطبيعي. لنفرض أن محصول القطن في سنة بلغ
وما المسألة في الحقيقة متوقفة على توزيع الأموال بين الناس بل أن المسألة آتية من عدم كفاية ما تنتج الأرض من
الضرورات ولو غلت ما يسد عوز الناس لما عادت الغلات تساوي شيئاً بل تصبح إذ ذاك كالماء في الأنهار والحصا في شواطئ
البحار. وعلى ذلك فالواجب أن نحسب ما ينبغي لنا من بر وأرز ولحم وقطن وغير ذلك لنضع ميزانية مدققة لموارد البشر وهذا
لا يتيسر الآن في دور الفوضى والطفولة الذي نحن فيه. ويؤخذ من أحدث الإحصائيات أن على الحنطة سنة
وهكذا في سائر لوازم الحياة فالسكر مثلاًُ لا يحصل منه إلا على نحو
ثم أن محصول القطن في العالم
وقد انتهت بنا الحال أن صرنا نعد الهواء في هذا العصر إذا كان مباحاً من النعم وكذلك الماء بعد أن أصبح
وبعد فليس الشقاء حادثاً منن قلة موارد الأرض ولو كان كذلك لما تطالت نفوسنا إلى الخلاص منه وكان علينا كالموت قدراً
مقدوراً ولكن الأرض إذا أحسن استخدامها تعطينا
وإذا نظرنا إلى حقيقة الشقاء نراه يرجع إلى
وما الخطأ الذي يحول دون الانتفاع بثمرات الأرض وثروتها إلا ناشئ مما يذهب إليه أكثر الناس من أنه لا يغتني مغتن
بسرعة إلا إذا طالت يده لسلب مال أخيه لا بأن هو بنفسه. وهذا الفكر هو الذي جعل السرقة والغش واللصوصية والتعدي
والامتياز وبعبارة أوجز جعل الاختلاس نافعاً لمن يأتيه. فإذا قدر للإنسانية أن تنجو من هذا الخطأ الفادح فالرفاهية
العامة مضمونة للكافة. وما دام البشر ينظرون إلى الاختلاس على ضروبه بأنه نافع فسوف يبقون في شقاء وعلى العكس يكونون
أغنياء سعداء متى اعتبروا الاختلاس ضاراً ومتى زاد التناسب حدة أورث الحياة ضعفاً تاماً أي موتاً. والتناسب بين
المخلوقات والمحيط من حيث علم النفس هو الحقيقة وعدم التناسب هو الخطأ. ومن هنا كانت الحقيقة مولدة للاستمتاع والخطأ
آتياً بالتألم فالخطأ هو مثل مرض عقلي ونتيجته بالطبع ضعف التركيب النامي إفرادياً كان أو إجماعياً قال بوهن: أليس
الذكاء الإنساني الذي يراه كثيرون حاسة من شأنها الإحاطة بالأمور هو الأحرى بأن يكون قلة الكفاءة في إدراك الحقائق
وذلك لأن الحيوانات تعرف أموراً قليلة ولكنها تسقط في أمور أقل منا فهي تفوقنا على ما فينا من
والخطأ الأساسي في الاقتصاد أن فكر الاختلاس والنفع المرجو منه هو في الحقيقة روح الشر ويحول دون سعادة البشر فإذا تمكنا من شفاء نفوسنا من هذا المرض العقلي فالمسألة الاجتماعية تنحل لساعتها. ودواء الباطل بالدعوة إلى الحق. فالباطل يشفى لأنا نرى منه جزءاً يضمحل كل يوم بفضل انتشار العلم فلا ينبغي اليأس من القضاء عليه ولا بد من أن يأتي يوم تتغلب فيه الحقائق الاقتصادية على الناس ويرون الاختلاس ضاراً فيجندل الشقاء أبد الدهر.
قال اللورد روزبري: إن من يبعمل لما فيه إنهاض تلك الجماعات من الناس الذي قضي عليهم أن تصفر وجوههم وتذل نفوسهم وتنحط مداركهم في المساكن القذرة التي ينزلونها هو بلا شك عامل على ما فيه نفع الجنس البشري عامة.
ولقد نشأت الفكرة الأولى لإنشاء بيوت العملة حوالي سنة
وفي سنة
وبدأت إنكلترا في سنتي
وكانت هذه البيوت في ضاحية باريز ولما ارتفعت أسعار الأراضي هناك أحبت الشركات أن تبتعد عن العاصمة أكثر فأصبحت تبني
بيوتاً لا يكلف الواحد منها أكثر من
وكان يقتصر في أمثال تلك المساكن سابقاً على الضروري من الحجرات ويعني بأسباب الراحة فقط أما الآن فقط ارتقت الحال في تلك الشركات شأن كل حي في الوجود فصارت لا تقتصر في بنائها على الضروري بعض الشيء بل رأت التأنق والزخرف لازم لحياة الساكنين أيضاً.
جرت عادة بعض السكك الحديدية أو التراموايات في أوروبا أن تسقط كثيراً من أجورها لمن يشترك بها من العملة لأن الدور الرخيصة التي بنيت لهم تكون في الغالب بعيدة عن المدن الكبرى وحالتهم المالية لا تساعدهم على اداء أجورها كسائر الناس فكان من شركات تلك البيوت أن عقدت مع إدارات السكك الحديدية مقاولات لمراعاة الساكنين في بيوتها مراعاة لا تكاد تصدق.
ومن لم تساعدهم حالهم من العملة والفقراء في الغرب للابتعاد عن المدن كثيراً فقد جعلوا لهم مساكن متلاصقة بعضها ببعض.
وكل ساكن حر في منزله وفيه يجد ما يلزم للبيوت
ومعدل أجرة مسكن ذي
وقد أوصى المستر بابودي الأميركي سنة
ولو لم ينزل كما قال الخبيرون معدل الفائدة بعد مرور
والغالب أن هذه المساكن ناجحة في إنكلترا أكثر من غيرها في البلاد الأخرى وفي مثل
ولم تكتف
وما عدا هذه المنازل والدور الخاصة بالأسرات فإن القوم أقاموا غرفاً مفروشة للإيجار يسكنها رجل و
ومما تفننوا بإنشائه من المساكن منازل للعزاب أقامها في لندن اللورد روتون فبلغت اليوم نحو
وأمثال هذهالشركات كثيرة في إنكلترا وتفوق ما هو من نوعها في فرنسا وقد أنشئ معظمها وأدير بيد مشاهير من النبلاء كان لهم البرنس ألبرت والبرنس دي غال أحسن قدوة يقتدون بها وقد حملتهم على الاستكثار منها أسباب كثيرة منها الخوف من ازدياد البؤس هناك وما أحدث في قلوب العقلاء من القلق ولا سيما كثرة السكان في لندن ونمو طبقات العملة.
بلغ رأس المال الموضوع في إنكلترا لإنشاء بيوت رخيصة للعملة ملياري فرنك وفي فرنسا
قال جان لاهور وإني وإن رأيت أن تسير الأمور أولاً بمعونة الحكومة وحمايتها ولكني أوثر أن تعمل عزائم الأفراد عملها
مستقلة فإن العزائم إذا جمعت عظمت بالاشتراك وإنكلترا أعظم مثال في هذا الباب. نعم إن الإقدام الشخصي والشركات
الخاصة أنفع للأمة في هذا الشأن. لأن إلقاء المسئولية على عاتق الحكومة لا يكون منه إلا سوء إدارة وقلة اقتصاد وعمل
متوسط وأكلاف مفرطة فيما تتولاه. ثم أن الاعتماد أبداً على الحكومة يورث الأمة عادات ضارة تنزه منها الشعور
بالاستقلال الذي هو أحرص ما تحرص عليه نفوس العقلاء ويعبث بالتربية الحرة ولا سيما في بلاد دستورية.
الحكومة إذا نافست الأفراد توشك أن تنزع منهم الهمة وتضعف فيهم الجهاد وإذا تولت إدارة مثل هذه الدور تنتهي بأن تعين لها عمالاً كثيرين من لدنها على أن كثرة الموظفين هي اليوم الضربة القاضية على الأمم كانتشار المشروبات الروحية وربما كانت من مفاسد عصرنا وأمراضه الوبيلة وفيها الخطر كل الخطر علينا. الكحول سم الإرادة والاحترام الشخصي والتوظيف كما هو الآن عندنا لا يقل عنها ضرراً. وما التوظيف في الحكومة لقاء رواتب تدفعها لموظفيها إلا صورة من صور الرق والعبودية القديمة في مظهر جديد يضطر فيه صاحبه أن يطلق حرية روحه وفكره على حين ترى الخدام ممتعين بها. ولقد نرى حكومات في الغرب كحكومة ألمانيا مثلاً فد انتبهت لهذا النقص فما أحبت أن تكثر من جيوش الموظفين كما هو الجاري في فرنسا وأن تنهك ميزانيتها بالملايين للإدرار عليهم بل خصصت ملايين في ميزانيتها لأعمال من مثل هذه مصبوغة بصبغة الديمقراطية والاشتراكية العملية. وأما إنكلترا فلحسن طالعها أن نفوذها في رعاياها قليل والقول الفصل فيها لهمة الأفراد.
وقد قررت دار الندوة الإنكليزية سنة
كل هذه الأعمال لا ترى فيها الحكومة إلا أثراً ضئيلاً ما عدا ذلك فالأفراد والشركات سيديرون ما يديرون وكذلك رؤساء المعامل فإن منهم من يهتمون هناك بمصالح من يعملون عندهم اهتمامهم بمصالح أولادهم ولاسيما في البلاد الجبلية التي لا ترى فيها إلا صخوراً أو مضايق وأودية.
وقد استعمل بعضهم البيوت النقالة التي اخترعها الأميركان لتكون عوناً على استعمار
رأى بعض الاجتماعيين أن تولي رؤساء المعامل من أمر عملتهم ما يتولون في بعض بلاد الغرب فيقتطعون جزءاً من أجورهم لسداد ما عليهم من أثمان مساكنهم التي يكون ملكاً لهم بعد قليل من السنين ـ أن هذا العمل يفقد العملة استقلالهم بعض الشيء فيضطرون أن يعملوا في معامل رؤسائهم ريثما يوفون ما عليهم أو يخرجون منها قبل وفاء ما عليهم فيلقون المشاكل وما عدا هذا المحذور فإن تولي الرئيس أو المعلم أمر عملته والنظر في مستقبلهم وإنشاء بيوت لهم أو حملهم على الاقتصاد هو السداد بعينه.
وفي بعض البلاد لا يتأتى إلا أن يتداخل رؤساء المعامل في أحوال مستخدميهم كبلاد روسيا مثلاً. ولذلك كانت مساكن العملة
في أكثر أرجائها بديعة مستوفاة شروط الصحة ولا سيما في الأماكن البعيدة عن السكان والعمران مثل معمل (داغوكردل)
لصاحبه البارون إدنجرن ستمبرغ فإنه أنشأ لكل عامل داراً منفصلة عن دار جاره فبلغ عددها
ومن المعامل التي وسعت على عملتها ونظرت في رفاهيتهم معمل كروب الألماني فإنه مثال المشاريع العظيمة ونموذج من حماية
صاحب المعمل لعملته وعدم احتفاله ب المال
وتفوق دور معامل كروب دور معامل الصابون في بورت سونلخت وقد عرضت إدارة هذا المعمل أنموذجاً من الدور التي تؤجر في
الأسبوع من
في إنكلترا قرية لا تقل في الغرابة عن معامل كروب ومعامل الصابون المذكورة آنفاً وهي القرية التي أنشئت في تورنفيل
على يد طائفة الكواكز البروتستانتية أعني بها معامل الشوكولاتا فإن هذه الشركة رأت أن جمال مناظر المساكن مهما كان
نازلوها فقراء مطلوب لذاته فبذل أفراد من هذه الطائفة مالهم لإنشاء هذه المدينة النادرة في شكلها وأقامت لها أندية
وألعاباً وخزائن كتب ومحال للسباحة وبيوتاً تحف بها الخضرة والنضرة على طريقة جميلة ليس فيها مظهر من مظاهر الزخرف
الكاذب بل فيها جميع ما يلزم الحياة وبعضها مزين مبهرج منقوش ولا يكلف السكنى فيها كل أسبوع أكثر من
وقد قال مدير المعمل لأحدهم بمناسبة إنشاء هذه الدور أن المذاهب السياسية لا تأثير لها
وفي مدينة سوشار من أعمال نوشاتل في سويسرا في معمل الشكولاتا حي عظيم لعملة المعمل ومستخدميه جاءت بيوته على صور
مختلفة منها ما أجرته
وما عدا دور العملة والعناية بأمرهم تجد في أوروبا جمعيات إحسان أخذت على نفسها إنشاء بيوت رخيصة يسكنها كل فقير بدون
استثناء. وقد بلغ عددها في فرنسا
ومثل هذه البيوت في نظامها وفائدتها كثير من الممالك الصغرى في أوروبا فتجد في كوبنهاغ شركة بيوت العملة وقد أقامت
ألوفاً من المساكن للعملة والشركة مؤلفة من العملة أنفسهم وهي لهم بمثابة صندوق اقتصاد فيدفع كل عامل في الأسبوع
قرشين أي نصف فرنك حتى يبلغ ما جمع من ذلك سنة
وشركة تحسين المنازل في سويسرا وميلان ونابولي ونيويورك حرية بالذكر أيضاً وكلها تدور على تحسين مسكن الفقير وبعضها
يعنى بالتدفئة أيام الشتاء وبإعطاء الماء الساخن لمن شاء من الساكنين بلا مقابل وإلقاء الحرارة المعتدلة في مساكنهم
وقد قامت بعض تلك الشركات بيد النساء فنجحت كما تنجح شركات الرجال. مثل شركة الآنسة كولنس في نيويورك التي أنشأتها
على مثال شركة الآنسة أوكتافيا في لندن لتطهير المساكن القذرة من قذارتها وتطهير نفوس ساكنيها من حمأة الرذيلة فنجحت
كلتا الشركتين وأتتا بأرباح حسنة. وقد بدأت حكومة البرازيل منذ سنة
ولم تكتف الجمعيات في أوروبا وأميركا بإنشاء المساكن للفراء ونقشها والاستكثار لها من مرافق الراحة وأسباب الصحة بل أحبت تنجيدها وتزييبها والتأنق في داخلها وخارجها لأنهم رأوا السكنى في بيوت رخيصة لا تغني الغناء المطلوب وحده.
أرادت من الدور أن تكون معرضة للهواء محببة إلى القلوب وأن لا يكون أثاثها وفرشها كئيباً قذراً بل أن تكون مائلة إلى البساطة تجمع إليها حسن الذوق والظرف لأن عصر البيوت القذرة الضارة قد انقضى كما ينبغي القضاء على المساكن البشعة من داخلها الكئيبة التي تهزل الساكنين فيها من البائسين وهم لا يشكون كالدود الذي يعيش في القاذورات.
أرادت تلك الشركات أن تستعيض عن الأثاث البشع السيئ الصنع بأثاث يكون بسعره أو أقل ولكن على صورة حسنة وتزيين ضروري وأن لا يفرشوا بيوتهم فرشاً رديئاً كما هو الحال في بيوت الفقراء في أكثر بلاد الشرق. وذلك لأن النظر إلى هذه البشاعة مما تضيق به الصدور ويجرح القلوب كما تتأذى به العيون وتتقزز منه النفوس ولأن لتحسين الذوق دخلاً كبيراً في نهضة الأمة.
ترى في البلاد الديمقراطية أن الفقراء من الرجال والنساء يحاولون أن يكونوا في ملابسهم كأهل الطبقة الوسطى على أن
الألبسة التي كانوا يألفونها فيما مضى لها من الرونق ما
خذ مثلاً لذلك الجدران فإنهم رأوا أن تزين أو يوضع عليها ما يزينها من البسط. وقانون الصحة يقضي أن يتيسر غسل الجدران وقد رأوا أن الورق الذي يجعل على الحيطان ويغسل لا ينفع الفقراء لأنه غالي الثمن وأن الأحسن أن تنقش بالزيت وربما كان هذا النقش غالياً ولكنه أثبت وأفرح للنظر ولا يصعب تطهيره كل مدة ويجعل الساكن عليها صوراً ورسوماً ومصورات وأصونة للثياب وغيرها مما لا يتعذر في أوروبا اقتناؤه لرخصه وهو يزيد المكان رونقاً وبهجة.
ورأوا أن النوافذ ينبغي أن تكون ستائرها من قماش يمكن أن ينفض أو يغسل بسهولة فيكون من البفتة لا من الحرير والأطلس أو الشاش المزين بأنواع النقش والزينة أما النوافذ التي في أعلى المنازل فتترك بلا ستائر والأولى أن تكون الستائر متناسبة مع نقش الغرفة وتعلق بسيخ وحلقة.
أما سرر النوم فيجب أن تكون بحسب رأي بعض أهل الصحة مكشوفة بدون كلة (ناموسية) من أعلاها لأنه ثبت أن هذا القماش
الموضوع يحبس نفس النائم ويحفظ الجراثيم الضارة بل يساعدها على النمو والتعشيش وينبغي أن تناط من عند رأس السرير
قطعة من القماش تنزل وترفع بحيث تمنع مجرى الهواء عن رأس النائم فقط ولا تكون هذه القطعة طويلة وتكون من ناحيتين
بحيث أن النائم حيثما انقلب لا تؤذيه أشعه النور إذا اتجهت نحوه. وينبغي التقليل من الفرش ما أمكن بحيث يسهل نفضه أو
غسله. كل هذا ويراعي في الأثاث الاقتصاد والجودة فيكون متناسباً مع نقش المنزل. وتخبر الأشياء المنطبقة على الذوق لا
يكلف إلا بعض عناية وبذلك تعود بعض العادات في بساطة البيوت التي كانت مألوفة. وليس الجمال في الأثاث والرياش
المتكلف في صنعه والمزين من وراء
وقد حسب ما ينبغي لفرش بيت الفقير على هذه الصورة وهو أن تفرش غرفة المائدة وغرفة الاستقبال صغيرة و
وبهذا رأيت أن لفرش البيوت في أوروبا جمعيات كما أن فيها شركات وجمعيات لتقديم الطعام الرخيص والألبسة الرخيصة والمساكن الرخيصة بحيث آلى بعض أرباب العقول في أكثر الممالك الإفرنجية أن لا يتركوا بيتاً قذراً ولا بشعاً وأن تكون بيوت الفقراء كبيوت الأغنياء لطيفة الداخل والخارج فمتى يا ترى ينسج الشرق على مثال الغرب في مثل هذه الأعمال النافعة والحضارة الرافعة.
جرت العادة أن تقتدي الأمم بعضها ببعض ولا سيما فيما فيه إعلاء كلمتها وتمام سعادتها فتطرس الأمم النازلة على آثار
الأمم الناهضة. قال هنري ليشتنبرجه
لم يكن لألمانيا في أوائل القرن التاسع
ابتعد الفلاحون وسكان المدن وأرباب الصنائع وأهل الطبقة الوسطى عن الاشتراك في الشؤون العامة واستسلموا لظلم الحكومة وطبقة الأشراف على ما فيه من النكد وهم ضعاف الحول والقوة لا قبل لهم برد عاديتهم عنهم ولم يعودوا يبالون بتة بالحياة الوطنية بل تنحوا إلى دائرة أشغالهم الخصوصية.
كل هذا الحياة الاقتصادية في الأمة ضيقة النطاق حقيرة الشأن والشعب مشتت مبعثر والبلاد فقيرة والمال قليل والصناعة
تكاد تكون عدماً. فلم يبق للخروج من مأزق هذا الشقاء إلا مخرج و
وفي تلك البلاد الألمانية المشتتة المغلوبة على أمرها التي كاد بوم الخراب ينعق فيها بما تواتر عليها من الحروب
والغارات أزهر التهذيب الأدبي والفلسفي الذي ربما كان أجم سطور بحد الذي تفاخر به هذه الأمة. ودخلت ألمانيا من ذاك
العهد في ميدان العمل وتخلت
ولم تلبث هذه الأمة المتقهقرة الساقطة من حيث إدراك الحقائق الأرضية المولعة على ما يظهر بالخيالات والترهات أن نشأت فيها فكرة الإقدام على الأعمال وظهر للحال بأن الشعب الألماني ربما كان الوحيد بين شعوب أوروبا في استعداده للتقدم في الجهاد الاقتصادي. فهو لم يقتصر في نهضته الغريبة على اللحاق بالأمم اللاتينية التي سبقته زمناً إلى طريق الارتقاء المادي بل تقدم عليها حتى جعلها وراءه. وكاد يهدد اليوم إنكلترا أيضاً فيما كانت لها المكانة المكينة فيه منذ القديم في الأمور الصناعية والتجارية.
فبدا هذا الشعب البطيء الثقيل بعض الشيء القوي في ذاته السالم في نفسه أنه مستعد لترقية المدنية وأن بلاده صالحة لغرس
بذورها. وهو لا يعشق مثلها البطالة والفراغ ولا يرغب في العيش في التغزل بالجمال وحسن ال
سار منذ القديم على نظام دقيق في الأخلاق. وخضع منذ أزمان لقانون قاس في التدريب على الجندية. وفي مثل من كانت هذه طيبته خالية من الزهو والظرف ولكن فيها المتانة وطول الأناة كبرت إرادة قوية صبورة منظمة لها من الكفاءة ما تستطيع معها أن تأخذ سبيلها الذي سلكته والغاية التي قصدت إليها من دون أن يلهيها الهوى والشهوة وبغير أن يثنيها ثان من صعوبة أو تحول دون أمانيها عقبة.
تطمح ألمانيا إلى بسطة سلطانها مدفوعة إلى ذلك لا بعامل الرغبة في أن تكون في مقدمة الأمم وأن تظهر شأنها وأمرها ولا من أجل المنافع المادية التي تحاول نيلها بل أنها تريد رفعة الشأن لذاتها لأنه مقياس حقيقي لما يساويه رجل أو جماعة أو حزب أو أمة.
ألمانيا مسوقة إلى المشاريع التجارية بنابل من ناموسها الاقتصادي تضطرها إليه ضرورة ملازمة لها ملازمة محتمة.
الألماني كثير النسل للغاية. فقد ازداد سكان ألمانيا من نحو
فيروح الشاب يتعب ويفرغ الجهد مخافة أن يسقط عن المكانة التي بلغها أهله. وهكذا كانت كثرة النسل في هذه الأمة مهمازاً قوياً يحث ألمانيا على النهوض إلى طلب الثروة والشوكة. وهذا الجهاد في سبيل العظمة يكبر ويضخم في عامة شؤون الحياة الألمانية وفي جميع فروع الجهاد البشري. فتراه متجلياً في الأفراد وفي الأحزاب السياسية وفي الطوائف الاجتماعية وفي الحكومات المتحدة وثابتاً بمجموع الأمة الألمانية بأسرها فيما تظهر فيه من مظاهر بسط السلطة وما حازته من الاشتراك في سياسة العالم. هذا الجهاد يرمي إلى رفعة شأن الجندية والبحرية والنفوذ السياسي والقوة الاقتصادية والصناعية والتجارية والتقدم العلمي. لأن العلم أيضاً صورة من صور السلطة البشرية ولا شك أن ألمانيا حازت قسطاً كبيراً من نجاحها بواسطة علمها.
صحت العزائم على التدريج وقويت إرادة السيادة وأُشربتها روح الألماني فمال إلى التهذيب بكليته. ولم يكن ميل الألمانيين إلى الفنون ميلهم إلى القوة لأن الفنون كالدواء المتمم لدواء أفعل منه فهي لا تقصد من ثم لذاتها. على أنه مما يجب أن يعرف أن رغبتهم في القوة لم تكن رغبة في القوة الوحشية الظالمة ذات الأهواء والأحكام العرفية التي تظلم عن تغفل وهوى وهي منافية للحق والعدل بل أن رغبتهم كانت مصروفة إلى القوة الذكية المفكر فيها التي تقبل لأنها مشروعة بفضيلتها الذاتية لا لأنها نافعة عاقلة. ومن العادة أن تقوى القوة على الضعف وأن تخضع الطبقة النازلة للطبقة العالية. الألمان احترموا القوة التي هي حق أيضاً ولأنها تعبر عن تقدم حقيقي يقضي العدل بأن يعترف به ويحترم.
جهاد الألمانيين لبسط سلطانهم يجري على ترتيب وتنسيق ما أمكن فإن نظام حرية المنافسة وهي عبارة عن محاربة الفرد
للمجموع وتحريك الأنانية الشخصية يحتوي في مطاويه ولا
طال جهاد ألمانيا في سبيل الوحدة السياسية واستعر النزاع بين حكوماتها في أمره فانتهت حالة بحرب. ولما أصدر المحكمون من النائبين عن الأهلين حكمهم في هذا الشأن سكنت الكراهية وزالت الأحقاد ورضيت الأمة في الحال بما وضع لها من نظام جديد وبدلاً من أن تضيع الوقت في شحناء لا فائدة منها وتنهك قوتها في الانتقاض العبث راحت تجمع قواها لدفع غارة الحروب السياسية التي يشتد بينها الخصام ويدوم ولكنه لا ينتهي في الغالب بفتن شعواء. وربما كان بين الطبقات المختلفة عندهم أشد مما هو عند غيرهم ولكنك لا تجد فيه ما يستشم منه ريح الثورة حتى أن الفكر الإصلاحي يقوى شيئاً فشيئاً بين الحكومات التي ترى التوسع في جمع رؤوس الأموال وبين الاشتراكيين الألمان ممن آلوا على أنفسهم ألا أن ينافروا الحكومات فتراهم يقضون بدون تقية على كل ما من شأنه أن يدعو إلى القسوة ويتحامون الوقوع فيما يؤدي إلى اتخاذ سلاح القوة ولو كان فيه تحقيق أمانيهم وإبلاغهم غاياتهم وهم يصرحون جهاراً بكرههم لمقاومة روح الجندية وللاعتصاب العام.
ترى المنافسة الصناعية والتجارية مشتد \ ة كل الاشتداد وهمم الأفراد بالغة أقصى الشدة والجرأة ولكن ألمانيا وهي مهد الشركات العظمى المؤلفة من أرباب المعامل أو العملة هي على التحقيق من البلاد التي بذل فيها الجهد لتنظيم أسباب الإنتاج ووضع المراقبة على أسواق المقايضات ليكون من ثم للمنافسة حد محدود ويقلل من معاودة الأزمات وإضعاف شدتها إذا حدثت.
وعلى الجملة الجهاد الشخصي على أشده في ألمانيا ولكن لا يؤدي فيها إلى فوضى الأفراد وربما كان ذلك من الصفات التي اختص بها هذا العنصر.
اللماني يقلى شعوره بالنسبة لغيره من الأمم الأخرى في الحاجة إلى ترقية شخصيته ترقية تامة فيختار برضاه أن يحشر نفسه
في بعض أعمال خاصة ينصرف إليها بجملته. ويؤثر
يؤثر الألماني أن يجعل نفسه جزءاً متمماً لبناء متسع تتألف منه آلة تختلف الحاجة إليها والاستغناء عنها. وهو يسعد بأن
يفادي بحظ نفسه من أجل منفعة تأتي ببعض الأعمال الكبرى ويخلص في سبيل نجاحها. وبالجملة إن في الألمان غريزة التهذيب
بنظام و
الشعب الألماني يخرج الأعضاء النافعة الرائعة من بنيه ممن هم عمد أبنية المجتمع الضخمة اللازمة للقيام بالأعمال المهمة من جيوش وطنية وإدارات كبرى ومشاريع متسعة من مالية وصناعية وتجارية ونقابات.
الألماني لا ينفك عن الانضمام والتآلف حتى في الفنون التي من شأنها الانفراد وإنك لتراه حتى في الموسيقى يجري على نغمة واحدة. وهذا الذوق في الاشتراك والخضوع طبيعي فيه فهو لا يكره على الخشوع للنظام صاغراً بل يقوم به والسرور ملء جوانحه. هو أخصائي يلذه ما هو فيه ولا يأسف على ما يبقى خارج أفقه على الدوام. نعم هو يقتنع بالوقوف دون حدود كفاءته والسرور يبدو عليه ممزوجاً بالزهد وربما ظهر عليه شيء من الاحتقار والاستهزاء بالذي يعرف القشور ويحشر نفسه فيما لا يعلم ويدعي أنه يناقش بل يحل المسائل السياسية والدينية والفنون والأخلاق. صاحب الجد في الألمان يحتقر بفطرته المرتجلين والمقتنصين الذين يخبطون ويخلطون ومعلوماتهم ناقصة وسطحية ممن يعانون كل موضوع ويتسلقون عليه وليس لهم سلاح ماض من الكفاءة ومن خلق اللماني أن لا يلقي بنفسه خارج المحيط الذي يعرفه وإن شئت فقل أنه يقل فيه الفضول ويرى ن غاية العالم هو ما اختص به وتفرد بعلمه.
كان من نتائج هذه الغريزة في الألمان من الخضوع للنظام وترتيب طبقات المجتمع عندهم
وبعد فنه يتجلة أن ألمانيا بفضل معنى النظام والترتيب المغروس في أبنائها آخذة في الترقي لإدراك معنى التكافل في
الحياة الذي هو على التدريج مهذب بل متمم لمذهب حرية المنافسة ومن هذا على ما أرى كان ارتقاءها موضوع إعجابنا في
الأكثر. فإن انتشار الأحزاب السياسية والعصابات الاجتماعية ونقابات أرباب الأعمال والمعامل والعملة واتساع دائرة
أعمال الضمانات الاجتماعية كلها تدل على ما تم لفكر التكافل من النجاح النامي. فحل بالتدريج الشعور بضرورة الجهاد في
التكافل لإحراز القوة محل هيجان المنافسة العامة والحرب التي يثيرها الفرد على المجموع. فألمانيا تتوقع وترجو أن
يكون لها بعد دور الانقلابات العظيمة والتقلقل وقلة الأمن الناشئين من ارتقاء مذهب حرية العمل ما تدخل معه في دور
النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي يكون إلى السلامة مرتباً على قانون ثابت وإيمان وخلق أقل تردداً. فهي تطمح بذاك
الجهاد العظيم في سبيل الوحدة السياسية والثروة المادية أن تنهض نهضة الشمير نحو الكمال في التهذيب والتكمل في
التفنن. ولا شك ن هذا مما تقرأ في صفحته جمال المستقبل. ويكفي في هذه الآمال على ما يتسرب إليها من الريب أنها لا
تبدو غير ممكنة التحقيق في عيون الألمان فينظرون الطريق التي قطعوها بما يحق لهم من الإعجاب ويرون المستقبل الذي
إليه يسيرون بشيء من حسن الظن فيه.
خرائب منفيس
قدم الأستاذ فليندرس بتري تقريره عن أعمال البعثة الإنكليزية الثرية في مصر وقد جاء فيه أن هذه السينة صرفت كلها في
البحث في خرائب منفيس القديمة فعنيت البعثة أولاً أن تعين مواقع الأبنية المهمة المختلفة التي ذكرها كتاب الروم
ولاسيما هيرودتيس فوجدت مذبح معبد باتا العظيم وبيت الحياة الذي كان سطحه عبارة عن
العدوى من الحمى
كان المقرر عند الأطباء أن ن يصاب الحمى التيفوئيدية ويبرأ منها لا يحمل جراثيمها إلى غيره ويبقى جسمه مطعماً بها
ولكن ثبت في إنكلترا الآن أن من تصيبه هذه الحمى الخبيثة وينجو من أخطارها يبقى مدة ولو عوفي كل المعافاة والاقتراب
منه ينقل العدوى إلى السليم المستعد لقبول جراثيمها فرأت إنكلترا أن تسن قانوناً يمنع الناقهين من الحمى التيفوئيدية
من الاختلاط بغيرهم وقد كانت ألمانيا سبقت منذ بضع سنين وقضت على من يسلمون من
إصلاح الساعات
أجرى الأستاذ بيكوردان الفرنسوي في فيينا تجارب بالتلغراف اللاسلكي لأجل إصلاح الساعات الدقاقة والكبيرة بحيث يتيسر بعد الآن حتى على من لم يسعدهم الحظ بمعاناة صناعة الساعات أن يصلحوا بأنفسهم ساعاتهم.
جرذان الماء
هذا الجرذ يسمونه يشبه جرذان الماء وهو في الأصل من جبال نروج وكثير التناسل جداً ولذلك يضطر إلى الهجرة فينزل من الأعالي أسراباً أسراباً يخرب ما في طريقه من الغلات حتى ينتهي إلى شاطيء البحر فيقذف نفسه فيه حتى يغرق أحياناً وكثير منه تسطو عليه أثناء مسيره العقبان والبواشق والنسور والبوم أو غيره من الكواسر ولكن منه ما يصل إلى السويد ويتناسل فيها أي تناسل على كثرة محاربة السكان له لإبادته ومن المحتمل أن هذا الجرذ ينقرض بعد بضع سنين من تلك البلاد إن لم يهرب على بلاد أخرى في أوروبا وينتشر بين أهلها على غرة منهم.
غرفة ساكتة
أنشؤوا في مدينة أوترخت غرفة مبنية على صورة تمنع وصول الأصوات من خارج مهما بلغت من الشدة وتؤلف جدرانها من حائطين جعل كل منهما من عدة طبقات من المواد المنفصلة بعضها عن بعض بفراغ والحائط الداخلي منها قد جعل ظاهره وباطنه من القش والطباشير والحائط الخارجي من الخشب والرمل وحجر الكذان والجبس فيكون مجموع الطبقات ستاً ما عدا طبقات الهواء وكذلك يصنعون سقف تلك الغرفة وأرضها وطولها متران وربع ويدخل إليها من بابين وهي لأجل التجارب الفسيولوجية.
فسيفساء رومية
وفق المسيو تورنو المهندس في سلانيك إلى تنظيف قطع من الفسيفساء البيزنطية في كنيسة سالت صوفي (ايا صوفيا) في سلانيك
وكانت مغطاة بدهان من الزيت وأرجعها إلى
رواتب الملوك
يقبض قيصر روسيا
الخادمات الفرنسويات
تشكو فرنسا من قلة خادماتها مع أن فيها
البرتستانت
أحصى
أرباح الأمم
معدل ما يصيب الفرد في إنكلترا من الأرباح نحو
اتقاء الانتحار
أنشأ جيش السلام في لندرا منذ سنة مكتباً للانتحار أتى بفوائد جليلة فجاءه
أكلة الأعشاب وأكلة اللحوم
أظهرت أبحاث
التماسيح والنوام
يهلك بالنوام أو مرض النوام كل سنة ألوف من البشر في أفريقية ولذلك تتحد الحكومات التي لها أملاك في هذه القارة جميع الذرائع لاستئصال هذا المرض وقد استبان من تجارب لافران أن هذا المرض ينشأ من دخول جرثومة في الدم يحملها البعوض المسمى تسي تسي وأن هذه الجراثيم تختار النزول في فك التمساح فتنمو فيه أولاً.
الصينيون في يابان
أصبحت بلاد اليابان في الشرق مثل برلين وباريز في الغرب مدرسة ترسل النور إلى الأقطار فلم يدن في مدارسها منذ
مركبة ضخمة
أنشؤا في إنكلترا مركبة ضخمة تجرها الخيول فتطوف القرى والمدن وتبيع المشروبات والمأكولات وهي تنقسم إلى
إبادة الجرذان
لم تجد نظارة المالية في إنكلترا المال اللازم لإعانة الشيوخ المعدمين وقد اقترح عليها أن يجبي رسماً تستخدمه في هذا السبيل من إبادة الجرذان لأنها تخرب كل سنة ما يقدر بعشرة ملايين جنيه وقد ثبت أن ميكروب نومان يبيدها فلا يبقى منها ولا يذر فإذا خلصت إنكلترا من جرذها تستطيع حكومتها أن تضرب ضريبة تعادل ما كانت الجرذ تخضمه وتقضمه في العام فتستعمله في إعالة البائسين من الهرمين.
فراش موسيقي
اخترع
تعليم الفلاحين
ارتقى التعليم كثيراً في شمالي أوروبا ولاسيما في الدانيمرك فإنك تجد فيها مدارس خاصة للمزارعين فيختلف الرجال
والنساء منهم إليها يتعلمون فيها الكيمياء وفن الطبخ وكل ما له علاقة بالزراعة وتربية المواشي ويلقى كل شهر محاضرات
عليهم جماعة من المحامين أو من الطلبة الدارسين وهكذا بلغ الفلاحون درجة من الارتقاء العقلي تفيدهم في أعمالهم.
تقول
مدفع سريع
صنع
السمك النافع
قالوا أن جزائر بارباد هي السالمة وحدها من بين جور الأرخبيل من حمى الملاريا فليس فيها البعوض ذو الجناحين الذي ينقل
عدوى هذهالحمى وقد بحث
التنويم والجرائم
أعلن الدكتور هبرت خلاصة أبحاثه في الاستهواء بالتنويم المغناطيسي فاستنتج بأنه في عدة أحوال في الجرائم يجب البحث عن
التأثيرات التي تأثر بها القاتل بإرادة أقوى من إرادته والنظر فيما دعاه إلى ارتكاب ما ارتكب وفيما إذا كان المجرم
في أول أمره حسن المنازع ففسد بالقدوة أو بقوة الاستهواء المغناطيسي الآتية عليه من غيره ودلت التجارب التي جرت
مؤخراً في باريز على أناس متهمين بالاشتراك ببعض الحوادث الكبرى
مخدر جديد
جرب المستشفى الوطني في لندرا مخدر جديد اسمه نوفوكايين ويظهر أنه سينافس مادة الكوكايين المخدرة المعروفة وذلك لأن تأثيره مثلها ولكنه يدوم التخدير به أكثر والتسمم به أقل وثمنه ارخص وهو ينفع في تخدير الأسنان كما ينفع في غيرها.
الذهب الأبيض
اكتشف في كولومبيا منجم جديد من البلاتين أو الذهب الأبيض وكان لا يعدن في تلك الأقطار حتى الآن غير الذهب المعروف ومعلوم أن كولومبيا غنية بمناجمها المختلفة وأن كثيراً منها لم يجر تعدينه بهد وأن ندرة هذا النوع من الذهب وكثرة استعماله قد زادت في قيمة هذا الاكتشاف.
الإلحاد في ألمانيا
مكتبة الجيب
يتحدثون في أوروبا بطبع كتب على صور مصغرة جداً لا يتمكن من قراءتها إلا بالمجهر ولهذه الطريقة من تصغير حجم الكتب فوائد كثيرة أقلها أنك تستطيع معها أن تحمل في جيبك مكتبة برمتها. فلله در التفنن.
الجمال عند المالايو
يرى أهل شبه جزيرة مالايو في الهند الصينية أن الجمال بطول العنق على العكس مما يراه بعض أمم الشرق وأكثر أمم الغرب بقدود ممشوقة وعيون دعج وتناسب في الأعضاء ولذلك يضع أهل المالايو في أعناق بناتهم منذ ولادتهن أغلالاً من الحديد تضطرهن إلى أن يجعلن رؤوسهن مستقيمة.
إطالة الشباب
يرى الطبيب تراسي الأميركي أن الإنسان لا يعاجله الهرم إذا لم يعش هذه العيشة الحديثة التي تخل بتركيب جسمه وأن معظم
الهرم العاجل يجيء من الإفراط في المأكل واستعمال الكحول فيمتزج الدن بمواد سامة لا تفرز منه وتتفقد الشرايين
مرونتها وتتصلب بما يتوالى عليها من الضغط ولا يخفف هذا الضغط عن المجاري إلا بالتدقيق في الأكل والشرب واستعمال
الكهربائية وبذلك يطول أمد الشباب لأن هذه المجاري تقلل من ضغط الدم وتقوي
رعاية الأطفال
اسفت مجلات إنكلترا لفقدها رجلاً كبيراً اسمه بنيامين وغ كان الحركة الدائمة في جمعية رعاية الأطفال في إنكلترا
فبفضله قويت قوة عظيمة ولها الآن في إنكلترا
الخيول
ظهر إحصاء بعدد الخيول في العالم المتمدن فتبين منه أن الجمهورية الفضية أكثرها خيولاً ففيها
وادي موسى
عني المسيو ألوا موزيل العالم النمساوي بالرحلة إلى وادي موسى في بلاد العرب المعروفة عند الإفرنج ببترا أي العربية
الصخرية وقد أصدر الجزء الثالث من رحلته الآن فجاء فيه أن مجموع سكان تلك البلاد يبلغ
أندية العملة
جعلت للعملة في بلاد الإنكليز منذ سنة
أخلاق المالغاشيين
المالغاشيون سكان جزيرة مدغسكر لهم أخلاق وعادات غريبة من حيث عفة لنساء وإليك ما وصفهم به
يبلغ الولد سن الحلم هناك في الثامنة أو العاشرة من عمره والبنت قبل هذه السن أحياناً. ولا سبيل إلى تحديد وقت يرتكب
فيه الأولاد ما يرتكبون من الخطيئة للمرة الأولى والأم
على أن هذا الاقتران قليل البقاء وكلا لازوجين متقلب وكل أمر سائغ بدون أن يمس شرف
وهذه الحال في أخلاق المالغاشيين وإن كانت أقل مما هي عفي أوروبا ولكنها غير مموهة وليس فيها رياء كما في أوروبا حيث
تحتقر الابنة التي تلد من السفاح ويحتقر ابنهم ويستنكف الناس من الاقتراب منه أما المالغاشي فيرى أن الوليد غير
مسئول عما نقص من عدم مراعاة أبويه لشروط الزوجية وهي التي ينبغي أن تسبق ولادته في العالم المتمدن بيد أن كثيرين من
الأوروبيين على ما فيهم من التقى جديرون بأن يأخذوا في هذا المعنى عن المالغاشيين المتوحشين. والداعي إلى هذه الحالة
في المالغاشيين هواء بلادهم الذي يحرك النفوس منذ الصغر ثم أن الأزواج لا يرون بأساً في أن يناموا مع أولادهم ولو
كبروا في محل و
ثم أن المعيشة هناك سهلة للغاية، فطعام الجميع الأرز ملتوتاً بشيء من مرق اللحم أو اللحم أو السمك والبقول المعروفة
عندهم والماء الصرف يتساوى في ذلك الفقير والغني ولماذا يهتم المالغاشيون إذا كثر أولادهم ما دامت غاباتهم مملوءة
بالشمع والمطاط بحيث لا تنضب
ثم أن القوم لا يهتمون بمسألة المواريث وقل أن يهتم الآباء أن يتركوا لأولادهم إرثاً قل أو كثر لأن هؤلاء لا يعرفون كيف يتصرفون به فالدراهم نادرة جداً عندهم والأرض لا قيمة لها وأراضيهم تكثير فيها البقاع التي تصلح لزراعة الأرز والمراعي. والماشية وحدها هي من العلائم الظاهرة على الثروة ولكنها شائعة بين أهل القرية لا يقسمونها ولا يدعى الأولاد لآبائهم بل على العكس يطلق على الأب والأم اسم والديهم وليس بينهم أثر للأسماء التي تنقل خلفاً عن سلف ويطلق على كل إنسان اسم خاص وله أن يغيره على ما يشاء متى شاء.
وبالجملة فإن أخلاقهم وعاداتهم على غرابتها أقرب إلى الطبيعة. هكذا قال الكاتب
كتاب تأويل مختلف الحديث
للإمام أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة المتوفى سنة
المنهج المسلوك في سياسة الملوك
ألف علماء العرب عشرات من الكتب والرسائل أهدوها ملوكهم وبعضها لم يزل محفوظاً في خزائن الكتب ومن هذه الأسفار التي
لم تمثل بعد بالطبع كتاب المنهج المسلوك لمؤلفه عبد الرحمن بن عبد الله من علماء القرن السادس ألفه برسم خزانة الملك
الناصر صلاح الدين يوسف وقسمه على
رسائل البلغاء
جردنا ما نشر في المقتبس من رسائل